responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 168
يَكْذِبَ فَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْكَذِبَ جِهَةُ صَرْفٍ لَا جِهَةَ دُعَاءٍ، فَإِذَا خَلَا عَنْ مُعَارِضِ الْحَاجَةِ بَقِيَ ضَارًّا مَحْضًا فَيَمْتَنِعُ صُدُورُ الْكَذِبِ عَنْهُ، وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَدَلِيلُهُمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا لَكَانَ كَذِبُهُ قَدِيمًا، وَلَوْ كَانَ كَذِبُهُ قَدِيمًا لَامْتَنَعَ زَوَالُ كَذِبِهِ لِامْتِنَاعِ الْعَدَمِ عَلَى الْقَدِيمِ، وَلَوِ امْتَنَعَ زَوَالُ كَذِبِهِ قَدِيمًا لَامْتَنَعَ كَوْنُهُ صَادِقًا، لِأَنَّ وُجُودَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَمْنَعُ وُجُودَ الضِّدِّ الْآخَرِ، فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَامْتَنَعَ أن يصدق لكنه غير ممتنع، لا نا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِحُكْمٍ مُطَابِقٍ/ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَالْعِلْمُ بِهَذِهِ الصِّحَّةِ ضَرُورِيٌّ، فَإِذَا كَانَ إِمْكَانُ الصِّدْقِ قَائِمًا كَانَ امْتِنَاعُ الْكَذِبِ حَاصِلًا لَا مَحَالَةَ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْقَطْعِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى صَادِقًا.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: اسْتَدَلَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّه تَعَالَى مُحْدَثٌ، قَالُوا لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ حَدِيثًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [الزُّمَرِ: 23] وَالْحَدِيثُ هُوَ الْحَادِثُ أَوِ الْمُحْدَثُ، وَجَوَابُنَا عَنْهُ: إِنَّكُمَا إِنَّمَا تَحْكُمُونَ بِحُدُوثِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ الْحَرْفُ وَالصَّوْتُ وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِي حُدُوثِهِ، إِنَّمَا الَّذِي نَدَّعِي قِدَمَهُ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ، وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْبَتَّةَ بِالِاتِّفَاقِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، فَأَمَّا مِنَّا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مِنْكُمْ فَإِنَّكُمْ تُنْكِرُونَ وُجُودَ كَلَامٍ سِوَى هَذِهِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِدَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ على حدوثه واللَّه أعلم.

[سورة النساء (4) : آية 88]
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ] اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَحْوَالِ المنافقين ذكره اللَّه تعالى، وهاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ مُسْلِمِينَ فَأَقَامُوا بِالْمَدِينَةِ مَا شَاءَ اللَّه، ثُمَّ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه: نُرِيدُ أَنْ نَخْرُجَ إِلَى الصَّحْرَاءِ فَائْذَنْ لَنَا فِيهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَمَّا خَرَجُوا لَمْ يَزَالُوا يَرْحَلُونَ مَرْحَلَةً مَرْحَلَةً حَتَّى لَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ فَتَكَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ مِثْلَنَا لَبَقَوْا مَعَنَا وَصَبَرُوا كَمَا صَبَرْنَا وَقَالَ قَوْمٌ: هُمْ مُسْلِمُونَ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَنْسِبَهُمْ إِلَى الْكُفْرِ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ أَمْرُهُمْ، فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى نِفَاقَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. الثَّانِي: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِمَكَّةَ، وَكَانُوا يُعِينُونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمْ وَتَشَاجَرُوا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ. الثَّالِثُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ تَخَلَّفُوا يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: لو نعلم قتالا لا تبعناكم، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ، فَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ يَقُولُونَ كَفَرُوا، وَآخَرُونَ قَالُوا: لَمْ يَكْفُرُوا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَنَ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ: فِي/ نَسَقِ الْآيَةِ مَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَإِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء: 89] الرَّابِعُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ ضَلُّوا وَأَخَذُوا أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَانْطَلَقُوا بِهَا إِلَى الْيَمَامَةِ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمْ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ. الْخَامِسُ: هُمُ الْعُرَنِيُّونَ الَّذِينَ أَغَارُوا وَقَتَلُوا يَسَارًا مَوْلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. السَّادِسُ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ:
نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْإِفْكِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أن «فئتين» نصب على الحال كقولك: مالك قائما، أي مالك فِي حَالِ الْقِيَامِ، وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. الثَّانِي: أنه نصب على خبر كان، والتقدير: مالكم صِرْتُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 168
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست